فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



هذا الماء وصفه الله بأنه {مَّهينٍ} [السجدة: 8] لأنه يجري في مجرى البول، ويذهب مذهبه إذا لم يصل إلى الرحم، وفي هذا الماء المهين عجائب، ويرحم الله العقاد حين قال: إن أصول ذرات العالم كله يمكن أن تُوضع في نصف كستبان الخياطة، وتأمل كم يقذف الرجل في المرة الواحدة من هذا المقدار؟ إذن: المسألة دقة تكوين وعظمة خالق، ففي هذه الذرة البسيطة خصائص إنسان كامل، فهي تحمل: لونه، وجنسه، وصفاته. إلخ.
وسبق أن قلنا في عالم الذر: إن في كل منا ذرة وجزيئًا حيًا من لَدُنْ أبيه آدم عليه السلام.
ثم يقول الحق سبحانه: {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فيه}.
وهذه التسوية كانت أولًا للإنسان الأول الذي خلقه الله من الطين، كما قال سبحانه: {فَإذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فيه من رُّوحي فَقَعُوا لَهُ سَاجدينَ} [الحجر: 29] وقد مَرَّ آدم- عليه السلام- في هذه التسوية بالمراحل التي ذكرت، كذلك الأمر في سلالته يُسوّيها الخالق- عز وجل- وتمر بمثل هذه المراحل: من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة. الخ، ثم تُنفخ فيه الروح.
وإذا كان الإنسان لم يشهد كيفية خَلْقه، فإن الله تعالى يجعل من المشَاهد لنا دليلًا على ما غاب عَنَّا، فإنْ كنَّا لم نشهد الخَلْق فقد شاهدنا الموت، والموت تَقْضٌ للحياة وللخَلْق، ومعلوم أن نَقْض الشيء يأتي على عكس بنائه، فإذا أردنا مثلًا هدم عمارة من عدة أدوار فإن آخر الأدوار بناءً هو أول الأدوار هدمًا.
كذلك الحال في الموت، أول شيء فيه خروج الروح، وهي آخر شيء في الخَلْق، فإذا خرجت الروح تصلَّب الجسد، أو كما يقولون شضَّب، وهذه المرحلة أشبه بمرحلة الصلصالية، ثم يُنتن وتتغير رائحته، كما كان في مرحلة الحمأ المسنون، ثم يتحلل هذا الجسد ويتبخر ما فيه من مائية، وتبقى بعض العناصر التي تتحول إلى تراب ليعود إلى أصله الأول.
إذن: خُذْ من رؤيتك للموت دليلًا على صدْق ربك- عز وجل- فيما أخبرك به من أمر الخَلْق الذي لم تشهده.
وقوله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة} [السجدة: 9] سبق أن تكلمنا عن هذه الأعضاء، وقد قرر علماء وظائف الأعضاء مهمة كل عضو وجارحة، ومتى تبدأ هذه الجارحة في أداء مهمتها، وأثبتوا أن الأذن هي الجارحة الأولى التي تؤدي مهمتها في الطفل، بدليل أنك إذا وضعتَ أصبعك أمام عين الطفل بعد ولادته لا يرمش، في حين يفزع إنْ أحدثتَ بجواره صوتًا: ذلك لأنه يسمع بعد ولادته مباشرة، أما الرؤية فتتأخر من ثلاثة إلى عشرة أيام.
لذلك كانت حاسة السمع هي المصاحبة للإنسان، ولا تنتهي مهمتها حتى في النوم، وبها يتم الاستدعاء، أما العين فلا تعمل أثناء النوم.
وهذه المسألة أوضحها الحق سبحانه في قصة أهل الكهف، فلما أراد الحق سبحانه أنْ يُنيم أهل الكهف هذه المدة الطويلة، والكهف في صحراء بها أصوات الرياح والعواصف والحيوانات المتوحشة؛ لذلك ضرب الله على آذانهم وعطَّل عندهم هذه الحاسة كما قال سبحانه: {فَضَرَبْنَا على آذَانهمْ في الكهف سنينَ عَدَدًا} [الكهف: 11].
إذن: الأذن هي أول الأعضاء أداءً لمهمتها، ثم العين، ثم باقي الأعضاء، وآخرها عملًا الأعصاب، بدليل أن الطفل تصل حرارته مثلًا إلى الأربعين درجة، ونراه يجري ويلعب دون أن يشعر بشيء، لماذا؟ لأن جهازه العصبي لم ينضج بَعْد، فلا يشعر بهذه الحرارة.
لذلك نجد دائمًا القرآن يُقدّم السمع على البصر، ويتقدم البصرَ إلا في آية واحدة هي قوله تعالى: {أَبْصَرْنَا وَسَمعْنَا} [السجدة: 12] لأنها تصور مشهدًا من مشاهد القيامة وفيه يفاجأ الكفار بأهوال القيامة، ويأخذهم المنظر قبل أنْ يسمعوا الصوت حين ينادي المنادي.
ومن عجائب الأداء البياني في القرآن أن كلمة أسماع يقابلها أبصار، لكن المذكور هنا: {السمع والأبصار} [السجدة: 9] فالسمع مفرد، والأبصار جمع، فلماذا أفرد السمع وجمع البصر؟
قالوا: لأن الأذن ليس لها غطاء يحجب عنها الأصوات، كما أن للعين غطاءً يُسْدل عليه ويمنع عنها المرئيات، فإن فهو سمع واحد لي ولك وللجميع، الكل يسمع صوتًا واحدًا، أما المرئيات فمتعددة، فما تراه أنت قد لا أراه أنا.
ولم يأْت البصر مفردًا- في هذا السياق- إلا في موضع واحد هو قوله تعالى: {إنَّ السمع والبصر والفؤاد كُلُّ أولئك كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا} [الإسراء: 36] ذلك لأن الآية تتكلم عن المسئولية، والمسئولية واحدة ذاتية لا تتعدى، فلابد أنْ يكون واحدًا.
ومن المناسب أن يذكر الحق سبحانه السمع والأبصار والأفئدة بعد الحديث عن مسألة الخَلْق؛ لأن الإنسان يُولَد من بطن أمه لا يعلم شيئًا، وبهذه الأعضاء والحواس يتعلّم ويكتسب المعلومات والخبرات كما قال سبحانه: {والله أَخْرَجَكُم مّن بُطُون أُمَّهَاتكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الإسراء: 78].
إذن: فهذه الأعضاء ضرورية لوجود الإنسان الخليفة في الأرض، وبها يتعايش مع غيره، ولابد له من اكتساب المعلومات، وإلاَّ فكيف سيتعايش مع بيئته؟
وقلنا: إن الإنسان لكي يتعلم لابد له من استعمال هذه الحواس المدركة، كل منها في مناطه، فاللسان في الكلام، والعين في الرؤية، والأذن في السمع، والأنف في الشم، والأنامل في اللمس.
وقلنا: إن هذه الحواس هي أمهات الحواس المعروفة، حيث عرفنا فيما بعد حواسَّ أخرى؛ لذلك احتاط العلماء لهذا التطور، فأطلقوا على هذه الحواس المعروفة اسم الحواس الظاهرة، وبعد ذلك عرفنا حاسة البَيْن التي نعرف بها رقَّة القماش وسُمْكه، وحاسة العضل التي نعرف بها الثقل.
إذن: حينما يُولَد الإنسان يحتاج إلى هذه الحواس ليتعايش بها ويدرك ويتفاعل مع المجتمع الذي يعيش فيه، ولو أن الإنسان يعيش وحده ما احتاج مثلًا لأنْ يتكلم، لكنه يعيش بطبيعته مع الجماعة، فلابد له أن يتكلم ليتفاهم معهم، وقبل ذلك لابد له أنْ يسمع ليتعلم الكلام.
وعرفنا سابقًا أن اللغة وليدة السماع، فالطفل الذي يُولَد في بيئة عربية ينطق بالعربية، والذي يعيش في بيئة إنجليزية ينطق الإنجليزية وهكذا، فما تسمعه الأذن يحكيه اللسان، فإذا لم تسمع الأذن لا ينطق اللسان.
لذلك سبق أن قلنا في سورة البقرة في قول الله تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ} [البقرة: 18] أن البَكَم وهو عدم الكلام نتيجة الصمم، وهو عدم السماع، فالسمع- إذن- هو أول مهمة في الإنسان، وهو الذي يعطيني الأرضية الأولى في حياتي مع المجتمع من حولي.
ومعلوم أن تعلُّم القراءة مثلًا يحتاج إلى معلم أسمع منه النطق، فهذه ألف، وهذه باء، هذه فتحة، وهذه ضمة. الخ، فإذا لم أسمع لا أستطيع النطق الصحيح، ولا أستطيع الكتابة.
وبالسماع يتم البلاغ عن الله من السماء إلى الأرض؛ لذلك تقدَّم ذكْر السمع على ذكْر البصر.
والحق سبحانه لما تكلَّم عن السمع بهذه الصورة قال: أنا سأُسْمع أسماء الأشياء، فهذه أرض، وهذه سماء. الخ، لذلك حينما نُعلّم التلميذ نقول له: هذه عين، وهذه أذن.
وبعد أنْ يتعلم التلميذ من مُعلّمه القراءة يستطيع بعد ذلك أنْ يقرأ بذاته، فيحتاج إلى حاسّة البصر في مهمة القراءة، فإذا أتم تعليمه واستطاع أن يصحح قراءته بنفسه، واختمرت عنده المعلومات التي اكتسبها بسمعه وبصره استطاع أنْ يقرأ أشياء أخرى غير التي قرأها له معلمه، واستطاع أن يربي نفسه ويُعلّمها حتى تتكون عنده خلية علمية يستحدث من خلالها أشياء جديدة، ربما لا يعرفها معلمه، وهذه مهمة الفؤاد {وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة} [السجدة: 9].
فالمعاني تتجمع بهذه الحواس، حتى يصير الإنسان سَويًا لديه الملَكة التي يتعلم بها، ثم يُعلّم هو غيره.
واللغة المنطوقة لا تُتعلَّم إلابالسماع، فأنا سمعت من أبي، وأبي سمع من أبيه، وتستطيع أنْ تسلسل هذه المسألة لتصل إلى آدم عليه السلام أبي البشر جميعًا، فإنْ قلتَ: فممَّنْ سمع آدم؟ نقول: سمع الله حينما علَّمه الأسماء كلها: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأسماء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الملائكة فَقَالَ أَنْبئُوني بأَسْمَاء هؤلاء إن كُنْتُمْ صَادقينَ} [البقرة: 31].
وهذا أمر منطقي؛ لأن اللغة المسموعة بالأذن لا يمكن لأحد اختراعها، ومع ذلك يوجد مَنْ يعترض على هذه المسألة، يقول: هذا يعني أن اللغة توقيفية، لا دخْلَ لنا فيها. بمعنى: أننا لا نستحدث فيها جديدًا.
ونقول: نعم، اللغة أمر توقيفي، لكن أعطى الله آدم الأسماء وعلَّمه إياها، وبهذه الأسماء يستطيع أنْ يتفاهم على وضع غيرها من الأسماء في المعلومات التي تستجد في حياته.
وإلا، فكيف سمَّينْا الراديو والتليفزيون. الخ وهذه كلها مُستجدات لابد لها من أسماء، والاسم لا يوجد إلا بعد أنْ يوجد مُسمَّاة، وهذه مهمة المجامع اللغوية التي تقرر هذه الأسماء، وتوافق على استخدامها، وقد اصطلح المَجْمع على تسمية الهاتف: مسرة. والتليفزيون: تلفاز. إلخ.
إذن: أتينا بهذه الألفاظ واتفقنا عليها؛ لأنها تعبر عن المعاني التي نريدها، وهذه الألفاظ وليدة الأسماء التي تعلمها آدم عليه السلام، فاللغة بدأت توقيفية، وانتهت وضعية.
وقوله تعالى بعد هذه النعم: {قَليلًا مَّا تَشْكُرُونَ} [السجدة: 9] دليل على أن هذه النعم تستوجب الشكر، لكن قليل منَّا مَنْ يشكر، وكان ينبغي أن نشكر المنعم كلما سمعنا، وكلما أبصرنا، وكلما عملتْ عقولنا وتوصلتْ إلى جديد.
لذلك، كان شكر المؤمن لربه لا ينتهي، كما أن أعياده وفرحته لا تنتهي، فنحن مثلًا نفرح يوم عيد الفطر بفطرنا وبأدائنا للعبادة التي فرضها الله علينا، وفي عيد الأضحى نفرح؛ لأن سيدنا إبراهيم- عليه السلام- تحمَّل عنَّا الفداء بولده، لكي يعفينا جميعًا من أنْ يفدي كل منَّا، ويتقرب إلى الله بذبح ولده، وإلا لكانت المسألة شاقة علينا؛ لذلك نفرح في عيد الأضحى، ونذبح الأضاحي، ونؤدي النُّسُك في الحج.
وما دام المؤمن ينبغي له أن يفرح بأداء الفرائض وعمل الطاعات، فلماذا لا نفرح كلما صلَّينا أو صُمْنا أو زكَّيْنا؟ لماذا لا نفرح عندما نطيع الله بعمل المأمورات، وترْك المنهيات؟ لماذا لا نفرح في الدنيا حتى يأتي يوم الفرح الأكبر، يوم تتجمع حصيلة هذه الأعمال، وننال ثوابها الجنة ونعيمها؟
واقرأ إن شئت قول ربك: {إنَّ الذين آمَنُوا وَعَملُوا الصالحات يَهْديهمْ رَبُّهُمْ بإيمَانهمْ تَجْري من تَحْتهمُ الأنهار في جَنَّات النعيم دَعْوَاهُمْ فيهَا سُبْحَانَكَ اللهم وَتَحيَّتُهُمْ فيهَا سَلاَمٌ وَآخرُ دَعْوَاهُمْ أَن الحمد للَّه رَبّ العالمين} [يونس: 9-10].
{وَقَالُوا أَإذَا ضَلَلْنَا في الْأَرْض أَإنَّا لَفي خَلْقٍ جَديدٍ بَلْ هُمْ بلقَاء رَبّهمْ كَافرُونَ (10)}.
معنى {ضَلَلْنَا في الأرض} [السجدة: 10] أي: غبْنا فيها، واندثرتْ ذراتنا، بحيث لا نعرف أين ذهبت، وإلى أيّ شَيء انتقلت، إلى حيوان أم إلى نبات؟ إذا حدث هذا {أَئنَّا لَفي خَلْقٍ جَديدٍ} [السجدة: 10] يعني: أيخلقنا الله من جديد مرة أخرى؟
والحق سبحانه يرد عليهم: {بَلْ هُم بلَقَاء رَبّهمْ كَافرُونَ} [السجدة: 10] بل تفيد الإضراب عن كلامهم السابق، وتقرير حقيقة أخرى، هي أنهم لا ينكرون البعث والحشر، إنما ينكرون لقاء الله {بَلْ هُم بلَقَاء رَبّهمْ كَافرُونَ} [السجدة: 10] لأن مسألة الحشر مستحيل أنْ ينكروها؛ لأن الدليل عليها واضح.
كما قال سبحانه: {أَفَعَيينَا بالخلق الأول بَلْ هُمْ في لَبْسٍ مّنْ خَلْقٍ جَديدٍ} [ق: 15] والذي خلق من العدم أولًا قادر على الإعادة من موجود، لأن ذراتك وخاماتك موجودة، فالإعادة أسهل من البَدْء؛ لذلك قال سبحانه: {وَهُوَ الذي يَبْدَؤُا الخلق ثُمَّ يُعيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه} [الروم: 27].
إذن: تكذيبهم ليس للبعث في حَدّ ذاته، إنما للقاء الله وللحساب، لكنهم ينكرون البعث؛ لأنه يؤدي إلى لقاء الله، وهم يكرهون لقاء الله، فينكرون المسألة من بدايتها. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ منْ رَبّكَ لتُنْذرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ منْ نَذيرٍ منْ قَبْلكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3)}.
أخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله تعالى عنه في قوله: {لتنذر قومًا} قال: قريش {ما أتاهم من نذير من قبلك} قال: لم يأتهم ولا آباءهم، لم يأت العرب رسول من الله عز وجل.
{يُدَبّرُ الْأَمْرَ منَ السَّمَاء إلَى الْأَرْض ثُمَّ يَعْرُجُ إلَيْه في يَوْمٍ كَانَ مقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ ممَّا تَعُدُّونَ (5) ذَلكَ عَالمُ الْغَيْب وَالشَّهَادَة الْعَزيزُ الرَّحيمُ (6)}.
أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {يدبر الأمر} قال: ينحدر الأمر {من السماء إلى الأرض} ويصعد من الأرض إلى السماء في يوم واحد مقداره ألف سنة، في السير خمسمائة حين ينزل، وخمسمائة حين يعرج.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله تعالى عنه في قوله: {يدبر الأمر} الآية. قال: ينزل الأمر من السماء الدنيا إلى الأرض العليا، ثم يعرج إلى مقدار يوم لو ساره الناس ذاهبين وجائين لساروا ألف سنة.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {يدبر الأمر} قال: هذا في الدنيا. تعرج الملائكة في يوم مقداره ألف سنة.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن أبي مالك رضي الله عنه في قوله: {يدبر الأمر} الآية. قال: تعرج الملائكة وتهبط في يوم مقداره ألف سنة.
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة} قال: من الأيام الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض.
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف والحاكم وصححه عن عبد الله بن أبي مليكة رضي الله تعالى عنه قال: دخلت على ابن عباس أنا وعبد الله بن فيروز مولى عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه قال فيروز: يا أبا عباس قوله: {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة} فكأن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما اتهمه فقال: ما يوم كان مقداره خمسين ألف سنة؟ فقال: إنما سألتك لتخبرني فقال ابن عباس رضي الله عنهما: هما يومان ذكرهما الله في كتابه، الله أعلم بهما، وأكره أن أقول في كتاب الله ما لا أعلم، فضرب الدهر من ضرباته حتى جلست إلى ابن المسيب رضي الله عنه، فسأله عنها انسان، فلم يخبر، ولم يدر فقلت: ألا أخبرك بما أحضرت من ابن عباس؟ قال: بلى. فأخبرته فقال للسائل: هذا ابن عباس رضي الله عنهما أبى أن يقول فيها وهو أعلم مني.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {كان مقداره ألف سنة} قال: لا ينتصف النهار في مقدار يوم من أيام الدنيا في ذلك اليوم حتى يقضي بين العباد، فينزل أهل الجنة الجنةَ، وأهلُ النار النارَ، ولو كان إلى غيره لم يفرغ من ذلك خمسين ألف سنة.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله تعالى عنه {في يوم كان مقداره ألف سنة} يعني بذلك نزول الأمر من السماء إلى الأرض، ومن الأرض إلى السماء في يوم واحد، وذلك مقدار ألف سنة، لأن ما بين السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام.
وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله تعالى عنه في الآية يقول: مقدار مسيرة في ذلك اليوم {ألف سنة مما تعدون} ومن أيامكم من أيام الدنيا بخمسمائة نزوله وخمسمائة صعوده، فذلك ألف سنة.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما {ثم يعرج إليه في يوم} من أيامكم هذه، ومسيرة ما بين السماء والأرض خمسمائة عام.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة رضي الله عنه {ألف سنة مما تعدون} قال: من أيام الدنيا. والله أعلم.
{الَّذي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإنْسَان منْ طينٍ (7)}.
أخرج ابن أبي شيبة والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما كان يقرأها {الذي أحسن كل شيء خلقه} قال: أما رأيت القردة ليست بحسنة ولكنه أحكم خلقها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {أحسن كل شيء خلقه} قال: «أما إن آست القردة ليست بحسنة ولكنه أحكم خلقها».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {أحسن كل شيء خلقه} قال: صورته.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {أحسن كل شيء خلقه} فجعل الكلب في خلقه حسنًا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {أحسن كل شيء خلقه} قال: أحسن بخلق كل شيء القبيح والحسن، والحيات والعقارب، وكل شيء مما خلق، وغيره لا يحسن شيئًا من ذلك.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {أحسن كل شيء خلقه} قال: اتقن. لم يركب الإنسان في صورة الحمار، ولا الحمار في صورة الإنسان.
وأخرج الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لحقنا عمرو بن زرارة الأنصاري في حلة قد أسبل، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بناحية ثوبه فقال: يا رسول الله إني أخمش الساقين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عمرو بن زرارة إن الله أحسن كل شيء خلقه، يا عمرو بن زرارة إن الله لا يحب المسبلين».
وأخرج أحمد والطبراني عن الشريد بن سويد رضي الله عنه قال أبصر النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا قد أسبل ازاره فقال له: «ارفع ازارك فقال: يا رسول الله إني أحنف: تصطك ركبتاي قال: ارفع ازارك كل خلق الله حسن».
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وبدأ خلق الإنسان من طين} قال: آدم {ثم جعل نسله} قال: ولده {من سلالة} من بني آدم {من ماء مهين} قال: ضعيف نطفة الرجل.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {جعل نسله} قال: ذريته {من سلالة} هي الماء {ثم سواه} يعني ذريته.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {من سلالة} قال: ماء يسل من الإنسان {من ماء مهين} قال: ضعيف.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله تعالى عنه في قوله: {أئذا ضللنا} قال: هلكنا.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول: {أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد} كيف نعاد ونرجع كما كنا؟ وأخبرت أن الذي قال: {أئذا ضللنا} أبيُّ بن خلف. اهـ.